الأحد، 22 يناير 2012

جديرة بالقراءة ، بقلم رشيد الخيون نقلا عن الاتحاد الاماراتية


طريق الحسين ليس على بَعلبك..!

بقلم: رشيد الخيّون
أُحتفل يوم السَّبت الماضي (20 صفر 1433) بمناسبة "زيارة الأربعين"، وهي مرور أربعين يوماً على قتل الإمام الحسين (61 هـ)، وأُطرت بعودة الرُّؤوس إلى كربلاء. منذ العام الماضي أخذ "حزب الله" اللُّبناني يحتفل بهذه المناسبة، ودُشن ذلك بخطاب أمينه العام حسن نصر الله، ولتبرير الاحتفال، ولابد أن تكون المناسبة محسوسة، فأكد السَّيد مرور رأس الحسين ببعلبك إلى دمشق، لإحضاره أمام قاتله يزيد بن معاوية (ت 64 هـ).

قال: "رحلة السَّبي الطَّويلة التي أرادها القَتَلة لأهداف... حيث عبر هذا الموكب، موكب الأحزان وموكب السَّبايا، عبر البقاع، واللَّبوة، ومقنة، وصولاً إلى مدينة بعلبك حيث تحتشدون الآن، ومِن بعلبك إلى دمشق التي كانت في ذلك الحين عاصمة يزيد" (25 يناير 2011). ولا ندري دمشق عاصمة مَن، في تصور نصر الله، الآن والذَّبح جارياً فيها على قدم وساق؟!

كنت يومها ببيروت، وذهبت مع الذَّاهبين إلى بعلبك، ولما شاهدتُ مرقداً منيف البناء سألت أحد السَّدنة، فأجاب: "إنه مرقد خولة بنت الحسين، كانت في بطن أُمها فأجهضت، ودفن الجنين هنا"! فحُدد جنسه والاسم!؟ هنا تذكرتُ ما قاله لي سادن ضريح رأس الحسين بالقاهرة، لما سألته: هل الضَّريح لرأس الإمام فقط؟! أشاح السَّادن بوجهه قائلاً: "إنه لرأس وبدن الإمام"! قلتُ: كيف! فأنا مِن العِراق وزرت ضريح الإمام عشرات المرات، فكيف يكون مدفوناً بالقاهرة، وهو قُتل قبل تأسيسها بأكثر مِن ثلاثة قرون؟! قال: "أنتم يا أهل العِراق تكذبون، لما دُفن الرَّأس هنا، رغبةً من السِّت زينب لأنها تحب أهل مصر، حملت الملائكة البدن وألحقته به"! فقلت: أتعتقد أنتم المصريين صادقين في هذه الرِّواية ونحن كذابين؟! فسحبني الصَّحفي المصري عزمي عاشور إلى خارج الضَّريح خشية مِن غضب السَّادن!

لستُ ضد الاحتفال بأية مناسبة، حقيقة كانت أو مختلقة، لكن مِن حقنا الوقوف على التَّاريخ، ومدى توظيفه طائفياً في الخصومات الحزبية. فـ"نصر الله"، لم يتحدث عن الزِّيارة مثلما أهلنا يمارسونها ويتبركون بالضَّريح بلا قصد احتقان سياسي. فخطابه كان سياسياً، والجمهور المستمع له يغدو، في تلك اللحظة، جامعاً بين قتلة الحسين وخصوم السَّيد، وتلك هي المأساة.

لا ندري ما هي مصادر مرور موكب الرُّؤوس عبر بعلبك، وأن زوجة الحسين أجهضت هناك، وكانت أُنثى فارتفع الضَّريح، وأي طريق تربط بعلبك اللبنانية بكربلاء العِراقية؟! فالطَّريق التي تتبعناها، مع المؤرخين والجغرافيين، تمرُّ مِن الكوفة إلى الشَّام عبر الأنبار، وما حصل مِن تقابل الجيوش في معركة صفين (37 هـ)، بين الشَّام والعِراق، كان في أقصى غرب الأنبار، أو تمر الطَّريق عبر الموصل فسنجار إلى حلب! فكيف اتجه الموكب إلى بعلبك؟! ثم كيف تتحمل الرُّؤوس المسافات، التي قدرها السَّيد بألفي كيلو متر؟! كي نجعل الحسين مثالاً في العدل علينا الاعتدال والصدق عند مخاطبة العقول، فإذا كانت القصة خارج المعقول فما هو المأمول منها؟!

أرفض مثل هذه القضية المغيبة للعقل، وما أُختلق في مأساة الحسين، مثلما رفضت أُكذوبة خيانة الوزير المثقف مؤيد الدِّين بن العلقمي (ت 656 هـ)، أو ما شاع مِن وجود شخصية عبد الله بن سبأ الأُسطورية، أو أكذوبة "رفس" عمر بن الخطاب (اغتيل 23 هـ) للسَّيدة فاطمة، التي لا يُساء في إشاعتها إلا لشخص بعلها علي بن أبي طالب (اغتيل 40 هـ)، قبل غيره.

هذه الجموع التي تُحشَّد لزِّيارة الأربعين بُنيت على الاستخفاف بالعقل عند توظيفها سياسياً، بل إنها قتل ثان للحسين. فلو يُترك الحسين بعيداً عن استغلال تُجار السِّياسة، بتحويل ذِكراه إلى هراوة ضد الخصوم، مثلما هو الحال بلبنان، ولافتة في الانتخابات، كي يُسرق ويُسلب المال تحت ظلها، مثلما يحدث بالعراق.

لا يرتاح مَن يسعى لتوظيف مختلقات التَّاريخ في السِّياسة الطَّائفية لما طرحه آية الله مُرتضى مطهري (اغتيل 1979) في شأن عودة الرُّؤوس إلى كربلاء، فكيف بالمرور عبر بعلبك. قال: "النَّموذج الآخر للتَّحريف هو يوم الأربعين، عندما يحين موعد الأربعين نسمع جميعاً بالتَّعزية الخاصة بيوم الأربعين، والنَّاس جميعاً يعتقدون بأن الأسرى مِن آل بيت الرَّسول قد ذهبوا في ذلك اليوم مِن الشَّام إلى كربلاء... هذه القصة لا تذكرها الكتب المعتبرة إطلاقاً، كما أنه ليس هناك دليلاً عقلي على حصولها"(مطهري، الملحمة الحُسينية).

فطريق الموكب كانت مِن الشَّام إلى الحجاز، فماذا يفعل الأطفال والنِّساء في العودة إلى العراق، هل لحرق قلوبهم!(حسب مطهري). أما دفن الرأس فانظروا ما توصل إليه السَّيد محسن الأمين (ت 1954) في موسوعته "أعيان الشِّيعة"، إنه بالشَّام.

لم يتفرد رجال الشِّيعة بالمبالغات في قضية الحسين فقط، إنما نجد ذلك لدى رجال السُّنَّة أيضاً. فكتب الشَّيخ نعمان الآلوسي (ت 1899)، نجل أبي الثَّناء الآلوسي (ت 1854): إن الجنَّ بكت الحسين، وأن جبرائيل عرف قبره ودلَّ رسول الله عليه، وما حفظه الآلوسي من ندبِّ نساء الجنِّ على الحسين: "أبكي قتيلاً بكربلاء.. مضرج الوجه بالدِّماء" (الآلوسي، غالية المواعظ).

لسنا ساعين إلى إلغاء الأربعين، ما زال النَّاس يتأسون بها، لكن عندما تُنتزع البراءة الاجتماعية عنها، وتتحول إلى رايات طائفية، هنا لابد مِن قول الكلمة. حاولت طويلاً إيجاد ربط بين بعلبك وكربلاء في هذه القضية في أُمهات التاريخ فلم أجده، مع أن المؤرخين أطنبوا عند مقتل الحسين، فمَن يُقارن بين القصة التي تقرأ على المنابر سيجدها نصاً لدى الطَّبري (ت 310) في "تاريخ الأمم والملوك". لم أجد لها أثراً في مصادر معروفة بميلها للتَّشيع: "تاريخ اليعقوبي" لابن واضح اليعقوبي (ت 297 هـ)، "مروج الذَهب" لأبي الحسن المسعودي (ت 346 هـ)، "مقاتل الطَّالبيين" لأبي فرج الأصفهاني (ت 356 هـ)، و"الفخري" لابن الطَّقطقي (ت 708 هـ). أقول: كيف تنبه "نصر الله" ليجعل مِن بعلبك محطةً للسبايا، لتحويلها إلى بلدة دينية، ومسح تاريخها الحضاري بقضية مختلقة لا ترفع الحسين درجةً، بقدر ما تكون قلعة جديدة مِن قلاع حزبه. أشار في خطابه أن خصومه السِّياسيين هم درك ذلك الموكب! يكفي ما عندنا مِن مختلقات، كي يُسعى إلى خلق المزيد، فاتركوا اللعب بآلام الحسين، ورفقاً بذكراه وبعقولنا!

الاتحاد الإماراتية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق